المامة عن احوال القاهرة الإقتصادية
وعلاقاتها مع الخارج في عهد الفاطمين
سليمان مصطفى زبيس
ما من شك أن مصر كانت بلادا غزيرة الثروة، فلعبت بموجب ذلك أدوارا جليلة في السياسة والحضارة، وأن الآثار الفرعونية الفخمة الموجودة في ربوعها لهي دليل ساطع على عظمة المظاهر التي بلغها فيها المجهود البشري للنهوض بالقيم الإنسانية المبدعة الخلاقة.
وقد عاشت مصر في كنف هذا الماضي المجيد عيشة الرغد والسعة إلى أن أسدل الإسلام عليها رايته، فكانت جوهرة ناصعة في عقد الخلافة، وغرة باسقة في جبينها، فكانت قاعدة الفتوح الإسلامية ومنطلق الدين الحنيف ولغة الضاد في انتشارهما نحو المغرب قبل أن تتولى القيروان النهوض بالمشعل والوصول به إلى مدينة بواتيى الفرنسية عبر الأندلس وجبال البيريني.
وبقيت مصر في انتشارها عهدا بعد عهد، من فسطاط عمرو بن العاص إلى عسكر بني العباس فإلى قطائع ابن طولون والأخشيد، المعقل الرئيسي والدعامة الممتازة في جهاز الإمبراطورية الإسلامية، السياسي والحربي، والاقتصادي والثقافي، إلى أن خرج بها الفاطميون من هذه التبعية الذهبية، فجعلوا منها مركزا لخلافة فاقت في الأبهة والعظمة والحضارة جميع الخلافات السابقة. وإذا أنشأ الفاطميون مدينة القاهرة فإنما أنشأوا عاصمة لتبعث من أرجائها طاقات جديدة يستعيد بها الإسلام قوته السائرة إلى الوهن بعد فتور بغداد، وتلاشى نفوذها وضعفها وعجزها عن قود الأمة الإسلامية في سبيل التقدم المطرد الذي عرفته في عصورها الزاهرة، والذي أوشك تياره على الانقطاع. وإذ أنشأ الفاطميون مدينة القاهرة فإنما أرادوا بذلك تهيئة مركز وسط بين المغرب والمشرق، وبين الجنوب والشمال، وإقامة شرفة على البحر ترصد منها مختلف التيارات السائرة على اليم. فالمظنون أن غايتهم التي تاقوا إليها من احتلال بغداد من ذلك لم تكن تفيد القطع بأنهم عقدوا العزم على أن يتخذوها عاصمة ثالثة للخلافة الفاطمية، فلعلهم كانوا يرمون فقط إلى الاستيلاء على مدينة السلام وما والاها، ثم العودة إلى الوكر الذي لم يرضوا عنه بديلا، وهو القاهرة بجوار النيل المنعش، وحقوله الطيبة الكريمة، ومنتزهاته الفاتنة.
وعلى كل فإن الواقع الذي حدث أن الخلفاء الفاطميين لم يغادروا القاهرة طوال مدة دولتهم، بالرغم من أنهم امتلكوا جانبا من الأقطار الشرقية ليس بالهين. وهذا ما جعل من القاهرة مركزا سياسيا راسخ القدم، طويل النفس في اتجاهاته، ومعقلا عتيدا لقوة جبارة في عالم ذلك الوقت، بل فلقد أرسى الفاطميون لهذه المدينة قواعد البقاء والازدهار، وضمنوا لها الاستمرار والدوام، محاطة بالهيبة وحسن الاعتبار. فمنها قام صلاح الدين الأيوبي لحملاته الموفقة على الحركة الاستعمارية الصليبية، وعن طريقها توزعت خيرات المشرق وذخائره نحو أوربا والمغرب، خصوصا في أيام المماليك، وعن طريقها استمر توزيع هذه النفائس بعدهم، وذلك قبل فتح ترعة السويس وبعدها. فلا غرابة أن كان لذلك فضل عظيم في ازدهار اقتصادها ازدهارا خارقا متواصلا، وإن كانت محل اعتبار مختلف الدول الغربية جميعها، وخصوصا التجارية منها والبحرية كجنوة والبندقية، ثم هولاندا وانجلترا وفرنسا، فكانت محل الاعتبار من طرف هذه الدول، وكذلك مجلبة للأطماع وهدفا للحملات الاستعمارية المناوئة.
وفي هذه الكلمة المختصرة على أحوال القاهرة الاقتصادية وعلاقتها الخارجية سوف لا نتعدى الفترة الفاطمية، لأنها فترة الإنشاء والانبعاث، وكذلك لاتساع الموضوع وتشعب أبوابه، ووفرة مادته لو حاولنا تجاوز الفترة المذكورة.
وقد تصفحنا في المدة الأخيرة الذخائر والتحف للقاضي الرشيد ابن الزبير فرأينا أن نستهل هذه الكلمة ببعض من الفصول التي أوردها المؤلف عن تحف وذخائر القاهرة في عصر الفاطميين: وهي ذخائر تصور لنا مكاسب ملوكها وكبرائها الواسعة وثرواتهم الطائلة، وروائع كنوزهم، ونفيس أعلاقهم في صورة مدهشة.
جاء في كتاب ابن الزبير أن القائد جوهر "أهدى إلى المعز لدين الله بعدما ملك مصر في سنة 359 هـ، هدية فيها 99 نجيبة وإحدى وعشرون قبة بأجلة الديباج المنسوجة بالذهب ومناطق من الذهب مكللة بالجوهر و120 ناقة بالديباج... والأعنة المحلاة بالفضة و500 جمل عراب، و48 دابة، 47 فرسا عليها أجلة الديباج المنقوش والسروج على جميعها أصناف الحلية من الذهب. ومنها ما هو الفضلة مموه بالذهب ولجمها منها ما هو بالذهب، ومنها ما هو بالفضة".
"ولما سار العزيز بالله إلى بلبيس متوجها للغزو سنة 385هـ. كان في جملة ما خرج معه من المال خمسة آلاف جمل، على كل جمل صندوقان كبيران مملوءان مالا. وألف وثمانمائة بختية وبختي على كل واحد صندوقان، في كل صندوق منهما مثل ما في الصناديق المحمولة على الجمال".
"وأهدت السيدة الشريفة ست الملوك أخت الحاكم بأمر الله إلى أخيها في سنة 387 هدايا من جملتها ثلاثون فرسا بمراكبها ذهبا، منها مركب واحد مرصع من حجر البلور، وعشرون بغلة بسروجها ولجمها، وخمسون خادما ومائة تخت من أنواع الثياب وفاخرها، وتاج مرصع بنفيس الجوهر، وشاشية مرصعة، وأسفاط كثيرة من طيب من سائر أنواعه، وبستان من الفضة، مزروع من أنواع الشجر".
"وقد وجد للأستاذ أبى الفتوح برجوان العزيزى حين قتله الحاكم في سنة 390:
- مائة منديل شروب ملونة مصممة كلها على مائة شاشية.
- آنية الذهب والفضة مالا يحصي كثرة.
- الخيل الجياد 150 فرسا
- البغال المثقلة 300 بغل
- السروج الثقيلة الحلي 150 سرجا
- الكتب المصورة وكتب الأغاني الشيء الكثير".
"ووجد لقائد القواد الحسين بن جوهر حين قتله الحاكم سنة 399، في جملة ما وجد:
- 7000 مبطنة حرير
- 9 مثارد صيني أسود فنصوري مملوءة حب كافور فنصوري (من فنصورة وهي بلدة في جنوب جزيرة جاوة) وزن كل حبة ثلاثة مثاقيل".
وقد أهدى المعز بن باديس صاحب القيروان هدايا إلى الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله في سنة 420، فأنفذ إليه الظاهر- على حد قول القاضي الرشيد- هدية جليلة المقدار، فيها من غرائب طرف بلاد الهند والصين وبلاد خراسان من سائر أنواع الطيب والجوهر وغير ذلك مالا يحد، ومن دق تنيس ودمياط وتونة وأعمالها من الملابس والفرض والتعاليق والأعلام والبنود والألوية على القصب الفضة المجراة بالذهب من سائر الصور كل بديعة وغريبة قدرها وتمنع وجود مثلها. وخمل إليه... القباب والمحامل المعمولة من العاج والأبنوس والصندل المضبب بالذهب والفضة التي عليها أهلة الذهب المجللة بفاخر الأجلة، ومن الخسرواني الأحمر المذهب والمخمل بالذهب والدبيقي المذهب... ومن الخيل العراب ذوات الأثمان الغالية، والصفات البديعة شيء كثير على أكثرها سروج الذهب والفضة، والجوهر والعنبر والكافور... ومن الدروع والخود والحواشن المذهبة، والسيوف المجوهرة...".
"وقد وجد للسيدة راشدة بنت المعز لدين الله حين ماتت سنة 442، ما قيمته ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وكان في جملة ما وجد في خزائن كسوتها ثلاثون ألف ثوب خز مقطوع واثنا عشر ألفا من الثياب المصممة ألوانا ومائة قطر ميز مملوءة كافورا فنصوريا".
"وماتت أختها عبدة بنت المعز في هذه السنة (442) بعد ثلاثة أيام، فكان مما وجب أن يختم عليه في خزائنها ومقاصيرها وصناديقها مما حوته من موجودها ذهبا أربعون رطلا من الشمع، وأن بطائق المتاع الموجود المسجل لها بلغ 40 رزمة من الورق، ووجد لها:
- أربعمائة سيف محلى بالذهب
- 30،000 شقة صقلية
- أما الجواهر فما لا يحد كثرة
- والزمرد كيلة إردب واحد".
" ووجد لها طست وإبريق من البلور، فلما رآهما سيد الوزراء اليازوري فلفرط استحسانة لهما وعظيم قدرهما عنده سأل السلطان فيهما فوهبهما له (واستأثر اليازوري) بمدهن ياقوت أحمر وزنه 27 مثقالا، أخذه سرا من السلطان".
"وخلفت السيدة ست مصر بنت الحاكم بأمر الله حين ماتت في مستهل جمادى الثانية سنة 400 مالا يحصى كثرة. وكان إقطاعها في كل سنة يغل 50،000 دينار، ووجد لها 80،000 جارية، ونيف وثلاثون زيرا صينيا مملوءة جميعا مسكا مسحوقا، ووجد لها جوهر نفيس من جملته قطعة ياقوت قيها 10 مثاقيل".
وأما ما جاء في أخبار المخرج من خزائن قصر المستنصر بالله في سنتي 420 و421 حين تغلب الأتراك على دولته، واستباحوا ما وجد في بيت ماله، واقتسم مقدموهم دور المكس والحبايات، فحصل لهم من ذلك مال لم يعرف مثله فيما تقدم من الدول منذ ظهر الإسلام إلى وقتنا هذا- عهد القاضى الرشيد بن الزير [1] - نفاسة وجلالة وغرابة وكثرة وحسنا وملاحة، وجودة وسناء قيمة وغلة ثمن. على أن الذي أخرج يسير من كثير، وقليل من جليل. "ولقد قيل إنه نقل منه مياسير التجار إلى سائر الأمصار، وجميع الأقطار... سوى ما أخذته النار وغرق في البحار، وامتلأت قياسير مصر وأسواقها من الأمتعة المخرجة من قصر السلطان المبيعة على الناس بما يعجز الواصف عن وصفه". وقد عدد شيئا منها صاحب كتاب الذخائر والتحف بما يقف الإنسان إزاءها حائرا في أمره، أيطلق العنان للإعجاب بهذا الكشف الذي تضمن هذا العدد العديد من أنفس النفائس، أم يطلقه لمثل هذا القاموس الفني الطريف الغزير الألفاظ، الوافر المادة، كأنه ألف خصيصا لهذه الطرف النادرة الثمينة.
بعد هذه الطرائف حول مكاسب بعض أمراء الدولة الفاطمية، وكبار رجالاتها يتضح بجلاء أن مثل هذه الثروات ما كان يتيسر جمعها إلا إذا كان اقتصاد البلاد اقتصادا مزدهرا ازدهارا خارقا. نعم إننا لا ننسى أن القائد جوهر ثم الخليفة المعز قد نقلا جميع ما أمكن نقله من الذخائر والنفائس والأموال مع صناعها التي انكبت الدولة على جمعها في بلاد المغرب طيلة ما يقرب من السبعين سنة، ولكن البلاد المصرية كانت بها ذخائر الإخشيد وممتلكاته، وممتلكات أهل بيته وممتلكات رجال جولته وحاشيته. وكل ذلك صار في قبضة الفاطميين، فدعموا به ثروتهم الطائلة. زد على ذلك ذخائر صقلية، وقد بقيت هذه الجزيرة تابعة للقاهرة بعد خروج الفاطميين إلى مصر، وانقطعت عن القيروان فسيقت خيراتها، منذ حل القائد جوهر بأرض مصر، مباشرة إلى القاهرة، بعد أن كانت السفن تسير بها إلى مرسى سوسة ومرسى المهدية منذ عشرات وعشرات من السنين.
ولا ننسى في النهاية أن الوزير يعقوب بن كلس وعسلوج بن الحسين قد وضعا منذ سنة 323 – أي بعد عام من حلول الدولة الفاطمية بالقاهرة – وضعا نظاما جبائيا مبتكرا، وفرا به خراج مصر بصورة عظيمة، وبالجملة فإن النظام الفاطمي قد كان نظاما مركزا على جباية ملحة بالغة المضايقة، فكانت هناك ضرائب مفروضة على التجارة والصناعة في مختلف اطوار تنقل البضاعة، عند دخولها إلى الحدود، وفي تجوالها داخل البلاد من مكان ورودها إلى غيره من ا لأمكنة، كل ذلك مع استلزام البقاع المخصصة للبيع والمسالخ والمذابح، وهناك ضرائب على مصانع السفن. يضاف إلى ذلك احتكار بعض المواد للدولة كالشب ودار الضرب ودار الطراز ودار العيار ودار الأحباس.
فلا غرو والحالة هذه أن تكون مداخيل الدولة الفاطمية مداخيل عظيمة تفوق بلاشك موارد الدول العربية السابقة في مصر. إلا ان الفاطميين لم يكونوا من الملوك الذين يقترون في ميدان الإنفاق، بل إنهم جعلوا من الرياء والتظاهر وحب البهرج قاعدة من قواعد سوس الدولة، وكان الخليفة الآمر يطرح الدنانير على الناس من الشباك، وكان الخلفاء جميعا يكثرون البذل والأعطيات للجواري والمغنين والشعراء، ولكن بيت المال كان محل نزيف رهيب من جراء الرواتب المالية المبذولة للجيش العرمرم من الموظفين لهم ولأبنائهم ولأزواجهم ولإخوانهم ولأصهارهم، وذلك بالإضافة إلى الأعطيات القارة والهدايا من أطعمة وألبسة وغير ذلك مما جاء مفصلا في كتابي صبح الأعشى وخطط المقريزى.
على أن ذلك يشكل معيارا دقيقا لثروة مصر العامة وسعتها، ومرآة للازدهار الاقتصادي الخارق الذي غمر القاهرة منذ تأسيسها.
وإن ازدهار الزراعة بمصر قد ازداد أشواطا على ما كان عليه من قبل مذ دخلها الخليفة المعز لدين الله إذ حرص على شق مساحات كبيرة من الأرض كانت جدباء، بشبكة ثخينة من الخلجان والأبحر والترع والجسور وتعددت في أيامه مقاييس النيل لرقابة سيله واتخاذ الاحتياطات المحكمة لتفادي المكروه واتقائه إزاء النقص المجحف، أو الارتفاع المخيف ورتبت الأراضي حسب نوعها لتزرع بمختلف البقول والغلال الصالحة لها كما رتبت الزراعة لتكون المحاصيل متوزعة على كامل العام الشتوية منها والصيفية، وقد عني الفاطمبون بصورة خاصة بزراعة الفواكه من كرم وتين وتفاح وتوت ولوز وخوخ ومشمش ونخل وموز، وبالرياحين من ورد ونرجس وياسمين وفل وقرنفل، كل ذلك على نسق ما كانوا يتعاطونه في البلاد التونسية في برج عريف وهيبون بضاحية المهدية، ولمختلف العينات التي كانت بضواحي القيروان مثل جلولا وسردانيا. والمعروف أن من هذه الأخيرة قد شد منها المعز لدين الله الرجال إلى القاهرة، ومن جملة أنواع الليمون التي أوجدت في مصر- على حد قول المقريزي- ليمون يقال له التفاحي يؤكل بغير سكر لقلة حموضته ولذة طعمه، وكذلك كان فيها ما يسمى بالليمون الشتوي والليمون السائل.
وكان أحسن التفاح بمصر التفاح المسمى بالشامي، وكان مضرب المثل في الحسن كما قال السيوطى في "حسن المحاضرة"، وأما قصب السكر فليس هناك من الإخباريين من ذكره بالنسبة إلى عصر الفاطميين في عهدهم الأول إلا أن الكميات الهائلة من أوراق البردي التي كانت رائجة بمصر قبل ظهور الكاغذ دليل قاطع على وفرة قصب السكر بمصر قبل الفاطميين وبعدهم على أن هذا القصب قد زاد وفرة ورواجا في أيامهم بصورة محسوسة، حتى قال المؤرخ ناصر خسرو (حوالي عام 440 هـ/1048 م) في ذلك ما يلي: "وتنتج مصر عسلا كثيرا وسكرا".
ومن فلاحة مصر الكيمياوية للتلوين النيلة والمقرمس والزعفران، وهي فلاحة رقيقة تستدعى الخبرة والصبر. هذا ومن المعلوم أن فلاحة مصر قوامها ماء النيل، فكان توزيعه توزيعا معقدا متشعبا، ولكنه مبنى على قاعدة واحدة لا تقبل النزاع، وهي أن الماء لا يجوز بيعه أو شراؤه، فلم يكن جائزا للأفراد أو للدولة أن يجعلوا من الماء بضاعة للكسب أو للإتجار، وقد وفر الفاطميون الانتفاع بماء النيل بربط سدين، وذلك منذ صدر دولتهم بالقاهرة وهما سدا عين شمس بالحلفاء والتراب، وكان يقام قبل زيادة النيل، فإذا أقبل السيل رده السد وعلا الماء فسقى ما وراء السد من ضياع، وقد عرف هذا السد أيضا بخليج أمير المؤمنين.
ولمصر ميزة في تربية الدواجن، وخصوصا في تربية الدجاج بالترقيد الصناعي على النحو المتعارف اليوم، والذي يسرته وسائل التكنكة العصرية المتقدمة، والظاهر أنها طريقة لم يستعملها غير المصريين في ذلك العهد.
وقد فاقت الصناعات المصرية جميع الصناعات المعروفة في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، وذلك لان القاهرة بوصفها عاصمة الخلافة قد جلبت إليها من مختلف العواصم التي كانت تابعة لها أمهر الصناع، فتدعم بذلك ساعد طوائف الصناعات المصرية الأصلية، فمن المعروف مثلا أن القائد جوهر عندما خرج من القيروان لبناء القاهرة لم يكن مصحوبا فقط بالجنود والعتاد الحربي، بل كان معه النخبة من أهل الصنائع وأنفس النفيس من التحف المصنوعة في صبرة المنصورية عاصمة الفاطميين الثانية بإزاء القيروان، ولنتصور براعة هؤلاء الصناع التونسيين وحذقهم المفرط، فلننظر إلى تلك الربعة الصغيرة البديعة الصنعة المحفوظة في المتحف الأثري بمدريد، وهي تحمل كتابة مرصعة بالعاج تفيد أنها صنعت في مدينة صبرة المنصورية وأنها صنعت برسم الخليفة المعز لدين الله الفاطمي مع تاريخ لها صريح سابق لنقلة الخلافة من القيروان إلى القاهرة. ويفيدنا وجود هذه التحفة الفريدة اليوم في بابها أن مثلها قد كان يصنع في القيروان بالعشرات، وأن البعض منه قد نقل إلى المشرق في حقائب جوهر وحقائب المعز، وعليه فلنحث الباحثين على التروي عندما ينعتون فريقا من هذه التحف بأنه فاطمي، وأن يتساءلوا هل هو فاطمي من الطور القيرواني أو فاطمي من الطور المشرقي أو القاهري كما يتعين على الباحثين إمعان النظر في نوعية الزخارف، لأن الطورين يمتازان كل على حدة بميزاته الفنية. فالفن التونسي على جودته وأصالته في الرقة، لا شك أنه تطور في بيئته الجديدة مصر، وتكيف هنالك فخرج بذلك نوعا ما عن أشكاله ومظاهره الأصلية، فلا شك أن إعادة النظر في التحف الفاطمية المتوزعة في متاحف الدنيا سوف تفيدنا الإفادات الجمة للتفرقة بين فصيلتين من الإنتاج الفني الرائع بدل فصيلة واحدة.
وعلى كل فإننا لا نتردد لحظة عن إعادة ما سبق بيانه، وهو أن الإنتاج الفني المصري في عهد الفاطميين قد كان أبدع وأروع إنتاج عصرهم، وقد تناول مختلف الفنون ومختلف المواد.
فقد ازدهر النسيج على اختلاف أنواعه من نسيج الكتان الرفيع الذي كان يصنع بالفيوم وتنيس ودمياط وشطا، ومن المنسوجات الحريرية النفيسة المصنوعة بدبيق، وقد اشتهرت هذه المدينة بالثياب الدبيقية، ومنها العمامة الدبيقية المذهبة، ومنها أيضا كانت تصنع كسوة الكعبة المشرفة، وقد أقام المعز لدين الله دار الكسوة، ومنها كان يلبس الأمراء وكبار القوم من البلاط الخلافي، وكانت الأقمشة الرائجة في ذلك العصر محلاة ومطرزة بالذهب والفضة، مع مختلف أنواع الزخارف والكتابات الجيدة الرائعة، الحاملة لمعلومات تاريخية على غاية من النفاسة.
وقد كان الخشب قليلا في مصر، فكانت السلط الفاطمية تحتكر جميع الأخشاب الواردة عليها من أي بلد. وكان شغل الدولة الشاغل هو بناء السفن وتدعيم الأسطول التجاري والحربي بالإكثار المطرد من عدد قطعة، وقد بنى المعز لدين الله دار صناعة بالمقس صنع فيها 600 سفينة على وتيرة واحدة، وكان الخشب يرد من صقلية ومن أوربا عن طريق سفن البندقية، بالرغم من تحجير ذلك عليها من طرف امبراطور الروم الذي كان لا يرتاح باله لنمو أسطول مصر بهذه السرعة، وفي غير الأسطول كان الخشب يستعمل في شتى المآرب، ولكنه كان مادة سهلة الاستعمال قد يسرت أنواعا من الصناعات الفنية كالحفر والنقش والترصيع والتطعيم، وفي متحف القاهرة للفنون الإسلامية نماذج رائعة لهذه الفنون، وخصوصا المحراب الفاطمي المجلوب من الجامع الأزهر، ومحرابا مثله مجلوب من مسجد الست رقية.
ولقد عنى صناع القاهرة بصناعة الجلد التي حذقوها، وأخذوا شيئا عظيما من فنون دبغها وتهيئتها عن الاقوام الصحراوية التي استوطنت مصر، ولنلاحظ من بين متوجات الجلد التي يتجلى فيها منتهى الإبداع صناعة الكتب من أوراق الرق الملونة أو الناصعة البياض، ومن دفات مجلدة للكتب تحمل أنواع الزخارف. وقد ضاعت معظم مجموعات التجاليد الفاطمية المشرقية وبقيت المجموعات الفاطمية التونسية على حالها الأول وعددها بضع عشرات محفوظة في متحف باردو بتونس، ومتحف المنستير، ومتحف القيروان.
وتتمثل البقايا من المصنوعات الزجاجية الفاطمية في مجموعات من القناديل والمشكاوات وفصوص الزجاج والشمسيات والقوارير، ومختلف الأواني، ولكن هناك مجموعة من البلور الصخري قد كان يجلب من بلاد المغرب كما أن صبرة المنصورية قد كانت مركزا ممتازا لصناعة الزجاج الفاطمي، فقد أوجد الفاطميون في الشرق مراكز جديدة لهذه الصناعة وذلك في الفسطاط والأشمونين، وقد برع صناع الفسطاط في زخرفة البلور بالميناء والذهب وأنواع الدهن، كما حذقوا نقشه ونحته وجرده وترصيعه.
أما الخزف فلم يفت أهل مصر نوع من أنواع فنونه، فمنه المطلي طلاء بالذهب له بريق المعدن، ومنه الأواني الشفافة، ومنه الأقداح والأزيار المنقوشة، وعلب البخور والعطور والأزياء المحلاة بمختلف الزخارف. فلنذكر منها بالخصوص تلك الأجرار الصغيرة التي جعلت لكل منها في حلقها مصفاة مثقوبة بطرز فنية مختلفة.
ولصناع مصر براعة في فنون الترصيع والفسيفساء، وصناعة الذهب والفضة، وتحلية الأقمشة والسروج والسيوف والمصاحف، وتكفيت أواني النحاس والبرنز.
وبالجملة فقد كانت القاهرة تجمع جمهرة من الصناعات الرقيقة التي كان لانتاجها رواج عظيم. بالخصوص في الخارج فكان ذلك مادة ثراء خارق للبلاد، ومادة مبادلة كانت تجنى بدلها البضاعات المحتاج إليها من الأقاليم الأخرى أي البضاعة المختلفة التي تحتاج إليها مصر.
وكانت التجارة المصرية تجارة نشيطة، سواء أكانت في القطاع الداخلي أم القطاع الخارجي.
أما التجارة في الداخل فقد كان قوامها حجم البضاعة الضخم التي كانت تتجول كمادة خام، وكمنتوج مصنوع من مركز صناعي إلى مركز تجاري، وإن أحسن طرق هذا التجوال وأرخصها هو النيل، وفي ذلك تأثير طيب في تخفيض أثمان البضاعة وتيسير اقتنائها، وتنشيط صناعتها وترويجها، فلا شك أن كانت أسواق المدن المصرية وأسواق القاهرة بالخصوص أسواقا ضاقت بالدكاكين، واكتظت بالزبائن بصورة جعلت رقعتها تمتد شيئا فشيئا إلى أن اتخذت مساحات ضخمة، وكانت القيسريات فيها والخانات والمستودعات تزداد يوما بعد يوم لإيواء التجار القادمين من الخارج، ولخزن بضاعاتهم وبيعها بالجملة لتتوزع على صغار التجار.
وأما التجار الأوروبيون من أهل بيزة وأمالفى والبندقية وجنوة فكانوا يحلون في فنادق لهم على نسق القيسريات، فيها كنيستهم ومصرفهم ومدرستهم وحرسهم ومحكمتهم وغير ذلك مما كان يجعل هذه الفنادق شبه القلاع تعيش فيها الحاليات الأجنبية عيشة الانفراد عن سكان المصر متى أراد أهلها الانفراد.
هذا ولما كانت التجارة والصناعة في داخل البلاد مرتبطة الارتباط الكلي بما يرد إليها من بضاعة خارجية، وما يصدر منها إلى الخارج من بضاعة داخلية بقى لنا أن نستعرض قليلا دواليب العلاقات بين القاهرة الفاطمية والعالم الخارجي.
العلاقات الاقتصادية
بين القاهرة والأمم الخارجية
لقد لاحظنا أن موقع القاهرة في مفترق الطرق بين الشمال والجنوب وبين الغرب والشرق قد جعلها في المحور الرئيسي الذي كان يدور حوله دولاب التجارة العالمية، فكانت القاهرة نقطة التجمع للبضاعة الآتية إليها، ومركزا لصنعها. وكانت أيضا المنطلق لترويجها وتوزيعها في البلدان الراغبة في اقتنائها وذلك إما غربا وإما شمالا، فهناك غربا سلسلة من المواني تشتمل على الإسكندرية فبرقة فطرابلس فالمهدية، وكانت هذه الأخيرة أعظم المواني المذكورة جميعا قبل تأسيس القاهرة منذ كانت المهدية عاصمة الفاطميين البحرية. وكانت السلسلة تمتد إلى الأندلس عبر المغرب الأوسط والمغرب الأقصى مؤلفة في ذات الوقت طريقا بحرية للحج. وكان الحج إلى بيت الله ا لحرام هو الباعث على هذا النشاط الاقتصادي والمحرك لتجوال السفن بين مختلف السواحل المغربية، والضامن لدوامة واستمراره، وإلا فإن المنافسة الشديدة التي كانت بين الفاطميين والأمويين وأخلافهم بالأندلس سريعا ما كانت تقوم عرقلة في سبيل التبادل التجاري بين القاهرة وقرطبة، ثم بين القاهرة وبعض عواصم ملوك الطوائف كبلنسية وغرناطة وإشبيلية التي كانت توزع هي بدورها البضاعة الواردة إليها من المشرق إلى مختلف العواصم الأوروبية، وكانت تشتمل هذه البضاعة على العطور والأبراز والتوابل والقمارى وخشب الساج والجوهر والياقوت والماس والعقيق وأنواع البخور وكانت السفن تعود من الأندلس إلى القاهرة وقد تزودت بالخشب الطرطوشى والفضة والزئبق. وعند مرورها بالمواني المغربية كانت تتزود بالقمح والشعير والتمور والصوف والعسل وزيت الزيتون، وخصوصا زيت مدينة صفاقس التونسية، ومن المواني التي على السواحل الجزائرية التونسية كان تصدير المرجان الرفيع والأسفنج والحرير والخفاف وأنواع من الفواكه وخصوصا تفاح جربة وقابس، ومنها كان أيضا تصدير البضاعة الواردة إليها من الصحراء وبلاد السودان كالعاج والتبر، وكذلك الرقيق الأسود الذي كان منه الكشمير في قصور الخلفاء وفي الجيش.
وكانت الطريق المتجهة من القاهرة غربا تنعرج أحيانا شمالا، وتتصل مباشرة بصقلية، أو تنعكس نحوها بعد أن تصل إلى المهدية، وذلك طالما كانت صقلية مملكة تابعة للفاطميين. فلما امتلكها ملوك النرمان في الربع الأخير من القرن الخامس هـ، الحادي عشر م، انقطعت الصلة مدة بهذه الجزيرة، حتى ربط ملوكها علائق تجارية منتظمة بالقاهرة. فكانت هذه الأخيرة تستورد الخشب الصقلى النفيس لصنع السفن مع شيء من قمح الجزيرة وفاكهتها ومعادنها، يضاف إلى ذلك أنواع الأقمشة الحريرية التي كانت محل اعتبار عظيم في مصر.
وشمالا كانت القاهرة علاقات تجارية نشيطة جدا مع مختلف الجمهوريات الإيطالية، وبالخصوص مع جمهورية أمالفى وبيزا وجنوة والبندقية، فكان لتجار هذه الدويلات فنادق كثيرة في الإسكندرية وفي المواني الشامية التابعة للإمبراطورية الفاطمية، وخصوصا في أنطاكية، وكان حرص التجار الأوروبيين عظيما على أن تتواصل العلاقات الطيبة مع مصر لا من أجل الحفاظ على الخيرات المغدقة عليهم فقط، ولكن أيضا للتمتع بإمكانية الزيارة لبيت المقدس بدون حرج، وكانت السفن الإيطالية تحمل- على السواء- إلى المشرق البضاعة والحجيج النصارى، أما البضاعة المصدرة على متن هذه السفن فكانت تشتمل على أنواع من المصنوعات اليدوية من نسيج وأوان، وبالخصوص الخشب.
وكانت بيزنطة توصى وتلح على جمهورية البندقية أن لا تستعمل سفنها لحمل الخشب إلى مصر، وذلك خوفا من أن يتدعم بذلك الأسطول الفاطمي، ولكن البندقية لم تذعن إلى ذلك. قصارى ما في الأمر أنها قصرت في طول هذا الخشب حتى لا يصلح لتعمير السفن الكبيرة. وكانت هذه الجمهوريات حريصة على تقديم شواهد الود لأصحاب القاهرة، كما كانت شديدة التنافس بعضها مع بعض، وذلك لما كانت تجنيه كل منهما من أرباح خارقة من وراء ترويج بضاعة المشرق في البلاد الأوروبية.
ولم يكن نشاط سفن مرسيليا وسكان بروفنسا بجنوب فرنسا دون نشاط الجمهوريات الإيطالية. وقد بهر البلاد الأوروبية مدى الخيرات التي تزخر بما المواني الإسلامية، فأدى بها الجشع والطمع في الاستحواذ عليها، والاستئثار بها إلى القيام بالحملات الصليبية المعروفة، فكان ظاهرها إفساح المجال في وجه الحجيج النصارى إلى بيت المقدس، وكانت في الباطن عمليات استعمارية ترمى إلى احتكار البضاعة التي كانوا يقتنونها عن طريق موزعيها المسلمين، والحلول محلهم لتوزيعها بعد أن يضعوا أيديهم على بعض البلاد الإسلامية كي تمكنهم من بلوغ نقاط وصول البضاعة الشرقية كأيلة وجدة في البحر الأحمر وعدن على أبواب المحيط الهندي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الفوز بالوصول إلى أبرز سوق تجارية تربط عن طريق البر أفريقيا بآسيا وبأوروبا وهي بغداد عقدة المسالك من الهند ومصر والشام إلى دول البلقان وروسيا، وإلى نجارى وسمرقند والصين. وقد كانت محاولات النصارى أيام عنفوان الدولة الفاطمية محاولات لم تكن تفوت السعي لنيل امتياز والظفر بإذن التجول والبقاء في منطقة من ترابها حتى بدت عليها علائم الضعف، فتجرأ الجانب النصراني عليها، وأقبل على عمليات الفتح الترابي للسيطرة على هذا التراب بحد السيف، وقد نجحت الخطة الحربية الصليبية نوعا ما، فاحتل الصليبيون سواحل الشام مدة من الزمن، ولكنهم لم يظفروا بما كانوا عولوا على اجتنائه من الناحية الاقتصادية، إذ بقيت القاهرة بعد زوال الفاطميين، طوال أيام الأيوبيين والمماليك مسيطرة على احتكار الخيرات الواردة من المشرق، تاركة توزيعها نحو البلاد الأوربية على نحو ما كان العمل به من ذي قبل – إلى سفن الجمهوريات الطليانية.
ومن الدول العظمى المجاورة لمصر، والتي كانت لها علاقات متواصلة مع هذه نذكر (بيزنطة)، وكانت هذه العلاقات تمر بين الفينة والأخرى بأطوار حسنة للغاية، تعقبها أطوار تصادم ونزاع، وفي الجملة فإن الروم البيزنطيين كانوا شديدي الرغبة في المصنوعات المصرية الرقيقة من نسيج ومجوهرات، كما كانت مصر تحتاج إلى الفراء المجلوب من البلاد الروسية، وإلى غلال هضبة الأناضول.
ولم تفتر الدولة الفاطمية في السعي للوصول إلى بغداد لا لزحزحة الخلافة العباسية عنها فقط، بل وبصورة أوكد لوضع يدها على سوق تجارية عالمية من أبرز الأسواق وأغناها.
ولنلق الآن نظرة إلى الأمم الواقعة في جنوب مصر، فهذه بلاد النوبة كان ملوكها يكنون المودة الخالصة للقاهرة، سالكين معها سلوكا مرضيا، يتفق ومبادئ حسن الجوار اتفاقا كليا، يشترون منها الأقمشة وأدوات الزينة، وكانت السفن القادمة من الحبشة وزنجبار تحمل إلى مصر أنواع الخشب النفيس والعاج والتبر والماس وذلك بدل المصنوعات اليدوية المصرية. هذا وإن معظم أصناف الرقيق التي كانت تدخل القاهرة إنما كانت من بلاد النوبة وبلاد الأحباش.
وأما الضفة الشرقية من البحر الأحمر فكان عليها، بشواطئ الجزيرة العربية، مرسى جدة وهو محط الحجيج المسلمين القادمين عن طريق أيلة والقلزم وعيذاب، ويلى مرسى جدة في الجنوب مرسى عدن الذي كان بمثابة باب مفتوح بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، ومنه كانت تمر السفن والقوافل المحملة بالتوابل المجلوبة من سواحل ملبار وجزر الهند الشرقية وجزر الملايو، وبالعطور والند والمسك والكافور والعنبر الخام زيادة على أنواع البخور النادرة التي تمتاز بإنتاجها جزيرة جاوة، مع العود الصيني، وكافور زنجبار، والقمارى المجلوب من سيلان والهند الصينية.
ومن هذه الحوصلة عن علائق القاهرة بالعالم الخارجي يتضح جليا أن هذه العاصمة الفاطمية قد كانت محورا رئيسيا للتجارة العالمية، ووسطا للدائرة تلتقي فيه وتشع منه جميع تيارات النشاط الاقتصادي في عصر من عصورها الزاهرة، وتوالت عليها القرون، ودالت الدول، وتغيرت الأوضاع ولكن القاهرة دأبت إلى اليوم تمثل ذلك المحور وذاك الوسط للدائرة، فكان ذلك معدن سعادتها الدائم، وكذلك السبب الحامل على مشاكستها وإزعاجها بين الفينة والأخرى، صانها الله وأدام عزتها ومناعتها.
[1]- مات في النصف الثاني من القرن الخامس هـ ./ الحادي عشر م |