Plan du site | 25 visiteurs actifs |
|
-Articles de presse-
هذه المهمة السامية و الدقيقة كان يضطلع بها عميد الباحثين في علوم الآثار بالمعهد الوطني للتراث و صيانة المدينة فقيد المعرفة و العلم الأستاذ البحاثة سليمان مصطفى زبيس، الذي أوقف حياته من أجل الاكتشاف و الحفر و المثابرة في ميدان البحث و التنقيب، وشاءت الأقدار أن يغيب عنا جسديا يوم الخميس 15 ماي 2003 مخلفا وراءه رصيدا علميا هاما، يتضمن أخبار النقائش التي اكتشفها و كشف أسرارها، سواء في تونس و ضواحيها، أو في المنستير أو القيروان و أحوا زها، و لا غرو إذا قلنا أنه أول من اكتشف فسيفساء عربية في قصر الفاتح بأمر الله على شاطىء المهدية، و اكتشف تاريخ قبة الجامع الكبير بسوسة، و أشرف على ترميمه، واكتشف النقائش الحفصية، و اكتشف القرية الخرسانية، و قام بحفريات القرجاني، و ترميم رباطي سوسة و المنستير و برج المهدية، و لقد بذل جهدا كبيرا من أجل الحفاظ على سيدي ذويب و رباط السيدة بمدينة المنستير و جنّد أخاه الأستاذ محمود لحراستها و حمايتها لفترة مطولة... ولد الفقيد الكبير بتستور يوم 1 ماي 1913 و هو ينحدر من عائلة أندلسية و قد تعلم القراءة و الكتابة في الكتّاب بمسقط رأسه، ثم واصل دراسته في العاصمة وفي سنة 1935 أصبح معلّما بالمدرسة القرآنية الأهلية و من زملائه في العمل الأديب محمد مناشو، و كان مدير الأستاذ فرج عبّاس ثم التحق بالتعليم و دّرس في عديد الجهات، و في عام 1942 التحق بالمكتبة الوطنية، لتوضيب المنشورات العربية، و في عام 1945 عُين كاتبا عاما لصيانة الآثار، ثم أصبح متفقّدا للآثار الإسلامية، وهو الذي أحدث"متحف سيدي بو خريصان" و يعتبرمن أبرز مؤسسي جمعية صيانة مدينة تونس. ونظرا لخبرته انتخب ملحقا بلديّا مكلّفا بمهمة ترميم آثار العاصمة، فعرّف ببناء علامات المواقع الأثرية، ويعود له الفضل في وضع هذه العلامات على واجهات مداخلها و التنصيص على مؤسسيها و تاريخ إنشائها، و لا يمكن لي أن أحصي كل الأعمال التي أنجزها في حياته الحافلة بالأعمال التي تشهد له بالعلم و العمل الرصين المبدع. من مؤلفات عميد الباحثين سليمان مصطفى زبيس "جامع الزيتونة" و "القبة الأغلبية بجامع سوسة" و "ديوان النقائش العربية بتونس إلى القرن السادس الهجري" و "الآثار بالمغرب العربي الكبير" و "الآثار التونسية في عهد الدولة الحسينية" و "القباب التونسية" و "الآثار الإسلامية بتونس" و "المنستير" و "سوسة جوهرة الساحل" و "تونس الخضراء و أثرها" و غيرها. وقد شارك فقيدنا في مؤتمرات عربية و دولية عن الآثار العالمية و حضر الاحتفال بألفية القاهرة و تحدث عن المحاريب و القباب التونسية و أطوارها، و نظرا لما أثبته من كفاءة نال شهادات التقدير والأوسمة، و انتخب عضوا في مجمع القصور التاريخية في سويسرا، و كان من مؤسسيي المنظمة العالمية للمعلم الأثرية، و اختير عضوا في مجلس الأكاديمية الملكية في مدريد، و تحصّل على وسام فرانكو و أقيم على شرفه حفل تكريمي كبير، وله مساهمات في المجمع الأثري في برلين (المعهد الألماني للآثار) وذلك كعضو فيه، و قد درس جميع معالم فاس الإسلامية و صوّرها كما صوّر غيرها من الآثار الهامة. ومن الطرائف أن الرجل سُمي متفقدا للآثار والحفريّات بتونس و قد وقع اختياره لهذه المهمة بعد أن شارك في مناظرتين متواليتين دون أن يشترك معه أحد فيهما. هذا العالم الذي تفتخر به بلادنا، سعيت لملاقاته يوم السبت 10 ماي 2003 بمدينة المنستير، و قد بلغ عمره تسعة عقود و عشرة أيام و ذلك تلبية لدعوة هاتفية صادرة عن الأستاذ محمد بوزقرو رئيس جمعية صيانة مدينة المنستير، الذي أكد علي الحضور في لقاء الحنين الذي سيقام على شرف شيخ الأثريين الذي قرروا تكريمه و الاعتراف له بالجميل الذي أسداه لمدينة المنستير، بل لكل المدن التونسية. كان هذا التكريم في إطار الاحتفال بشهر التراث 2003 الذي يلتئم تحت شعار "التراث المكتوب" و يخصص للتعريف ببعض النقائش و المخطوطات المتعلقة بالمنستير مع تسليط الضوء على كتاب "نقائش المنستير" الذي ألفه أستاذنا سليمان مصطفى زبيس. وبعد زيارة قصر الرباط و الإطلاع على النقائش المعروضة به و التي قدمها الأستاذ عمر بوزقندة محافظ الرباط التأم جمع من مختلف الأجيال للاحتفاء بشيخ الأثريين و الاستماع إلى المداخلات العلمية التي ألقاها كل من السيدة رجاء العودي، و لطفي عبد الجواد، ثم الأستاذ و الباحث عبد العزيز الدولاتلي الذي تحدث بإطناب عن الخصال العلمية التي تميز الأستاذ زبيس و ما أسداه للباحثين الشبان من توجيهات و خدمات جليلة لا تنسى. في نطاق "لقاء الحنين" قدم الدكتور عصام العامري نجل أستاذ الجيل في المنستير محمد الهادي العامري دراسة عن مذكرات والده. بعد نهاية المداخلات و تقديم الهدايا التكريمية لشيخ الأثريين، تقدمت لهذا العالم الجليل الذي تربطني به علاقات عريقة منذ بداية الخمسينات، فوجدت ذاكرته حية، نشطة، وقال لي أهلا بابن "رابطة القلم الجديد" و قبلته على جبينه، وأساريره تنضح بشرا و فرحة... ولم أعرف أن هذه القبلة كانت قبلة الوداع الأخير... لقد مات سليمان مصطفى زبيس لكن مآثره ستبقى حية لا تموت...رحمه الله رحمة واسعة. الحرية 22 ماي2003
|
|
copyright © 2005 - slimane mostafa zbiss - par hanene zbiss - réalisation graphique delfino maria rosso - powered by fullxml |