Plan du site | 21 visiteurs actifs |
|
Articles
جامع بلد سليمان. "مجلة الهداية" ، سبتمبر1977 ، ص 71-75 ؛ بحوث عن الأندلسيين في تونس جامع بلد سليمان سليمان (مصطفى) زبيس مدينـة سليمـان: نزل الأندلسيون في التراب التونسي بعد سقوط غرناطة نزولا متقطعا عبر القرن 10 هـ/16م. ذلك أنهم عقب انتصار النصارى عليهم منحوا من هؤلاء حق الاحترام التام لخصائصهم الدينية واللغوية والقضائية والعادات والتقاليد، وغير ذلك مما وفر لهم الاطمئنان على مصيرهم، والحفاظ على ذاتيتهم. فمنحوا حق الخروج لمن أراد ذلك من الأندلس حرا. وعزم جلهم على البقاء في وطنهم ولكن بعد ذلك وقع الرجوع فيما شرط لفائدتهم، ووقع التنكيل بهم والإضطهاد، فحرموا من حقوقهم، وأرغموا على التنصر بغاية من الشدة والعنف، فلاذ إذاك من قدر على الفرار إلى الضفة الإفريقية، وبقي جلهم تحت نير التعسف والتعذيب إلى أن قامت ثورة عارمة في جبال (البوخرا) فكانت ثورة شديدة على النصارى، تعذر عليهم إخمادها مدة، ثم قضوا عليها. وبعد القضاء على هذه الثورة زيد في التشديد على المسلمين بصورة زاد فيها النكاية والعنف، وأصبح النصارى يعتقدون أنه لا إمكانية في بقاء هؤلاء الناس الذين نصروهم مكرهين، وأنهم يترصدون لهم الفرص لينقلبوا عليهم انقلابا ضاريا. ولذلك لم يجدوا حلا إلا إطرادهم من التراب الإسباني لنقاوة هذه البلاد وصفائها تحت راية المسيح وحده. فأثروا على ملك إسبانيا فيليب الثالث الذي اتخذ في بداية القرن 11 هـ/17م (1609 و1610) أمرا بإخراج المسلمين القدامى كلهم من الأندلس، فخرج البعض إلى المغرب الأقصى، والبعض الآخر إلى المغرب الأوسط، والفريق الثالث نزل بتونس في أيام عثمان داي. فجاؤوا إلى هذه الرقعة الإسلامية العربية وهم نصارى، يتخاطبون بالإسبانية، لكنهم في تعطش إلى التعلم من جديد لقواعد الإسلام، دين أجدادهم، والرجوع إلى لغة القرآن. وفي تونس وجدوا كل الإمكانيات لذلك. ونظرا للإختصاصات المهنية والصناعية، ولما اتسموا به من الحزم والجدية، منحوا من طرف الحكومة العثمانية بتونس جميع التسهيلات للإستيطان الكريم، بل المرغوب فيه لتنشيط الصناعة والتجارة والفلاحة، وكذلك الحربية. فمنهم من أقطعوا أراضي شاسعة لاستغلالها، بها مدنا أو قرى مثل تستور، وسليمان، وطبربة. فأنشأوا حولها البساتين والرياض والحقول اليانعة، وظهر سريعا إنتاجهم الممتاز. فمنهم من نزلوا في المدن فانشؤوا بها أسواقا كاملة كأسواق الشواشية وسوق القوافي. وتعاطوا الصناعات والتجارة. ومنهم من انخرطوا في السلك الحربي، لحذقهم فيه، ولنقمتهم على الإسبان الذين يتجه كل ذلك مقاومتهم. فعمروا الأبراج والثكنات في مختلف البلاد، كقلعة حلق الوادي، وقلعة غار الملح، والأبراج والقصيبة بمدينة بنزرت. وكان من جملة المختصين منهم كثير من الحاذقين في فن البناء والزخرفة فبنوا الثكنات والأبراج والزوايا والمساجد والقصور. بنوا في كل مدينة أو قرية انشؤوها جامعا كبيرا جاء على صورة بنيان الجهة التي جاؤوا منها من الأندلس. ولا يستغرب أن تكون قريبة الشبه بما اعتادوا به في بلدهم القديم. ومن جملة ما أنشؤوه من المدن في الوطن القبلي مدينة سليمان. كانت على شاطئ هذه المدينة جملة من الرباطات التي تعود إلى عهد الأغالبة (القرن الثالث هـ/ التاسع م) منها قصر جهم في المنطقة السياحية التي أنشئت حديثا وبرج صيره الأندلسيون كتابا لتعليم القرآن، وهو في الساحة وراء السوق. وكان الأندلسيون نزلوا بهذه المنطقة ليس فقط لاستغلال أراضيها، بل للدفاع على الشواطئ في هذه الناحية. بدليل أن أسطا مراد- وكان (قبودان) أي قائد الأسطول العام- حبس جملة من الأحباس على جامع البلد، كما تشهد بذلك نقيشة مكتوبة بالرصاص، مبنية على حائط القبلة في يسار المحراب. ولا نعرف بالضبط المكان الأندلسي من حيث جاء سكان البلد. وما زالت بعض العائلات تحمل إسمها الأندلسي مثل ماظور (؟Amador) وريشيكوا (Reychico) أي الملك الشاب وهذا مما يدل على أن هذه الجاليات النازحة من الأندلس كانت تحت أمر قواد يقودونها ويتكلمون على لسانها. وكان لهم زيادة على مثل هذه الأسماء أزياء فاخرة، وأطعمة شهية، وأمور أخرى تتعلق بشخصيتهم المميزة. فزال كل ذلك عبر العصور فمازال من هذا التراث إلا إسم طعام (كويرس) التقطناه من فم أحد الأصدقاء. ولا شك أن هناك بقايا أخرى لا يعرفها إلا أهل البلد، حبذا لو تيسر جمعها لإحياء هذا التراث المجيد الفذ. - بناء الجامع: يظهر أن الجامع على حالته اليوم، من تأسيس أسطا مراد. وحجتنا نص تحبيس لا نص إنشاء وهو التالي "بسم الله الرحمان الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله حبس المكرم مراد اسبنيول في حياته، ثلث الحمام الكائن ببلد سليمان الأندلسي، على الجامع الأعظم بها .... الله الكريم إنه لا يضيع أجر المحسنين. سنة 1053". والمعروف أن أسطا مراد كان (قبودانا) أي رئيس البحرية التونسية قبل سنة 1047 هـ. وأنه كان دايا بعد هذه السنة إلى سنة 1050 هـ أي قبل السنة المذكورة في النقيشة (1053 هـ). وهذه المشكلة تحتاج لزيادة التوضيح كما تحتاج التوضيح هل أن التحبيس قد وقع في أيام (القبودان) أو في أيام (الداي) أسطا مراد. وعلى كل، يظهر أن الجامع انشىء بسيطا في أوله، وأعيد مضخما فيما بعد، ولكنه لم يضف فيه شيء جديد إلا في سنة 1170 هـ، في أيام الباشا على بن محمد بن حسين، حيث جدد محراب الصحن، كما هو مؤرخ فوقه. - بيت الصلاة: يشتمل بيت الصلاة على سبع بلاطات موجهة من الصحن إلى القبة، تقاطعها ست مسكبات موازية للقبة. ويستقيم السقف على إسطوانات ورؤوس لها قد جيء بها من موقع أثري روماني. تعلو الرؤوس علويات مختلفة الحجوم، وذلك للزيادة في ارتفاع السقف، والزيادة في تهوية الجامع وإفساح المجال للنور. وفوق المساحة في كل ملتقى بلاطة ومسكبة حددت التربيعة بروز في الأقواس، وقفلت هذه التربيعة بلوحة مستديرة مزخرفة. كما وضعت وسط المثلثات الأربعة التي جاءت مجسمة في التسطيرات البارزة والغائرة الموجودة في هذه المنطقة، أربع لوحات أخرى مزخرفة، في وسطها عمود صغير بارز، يظهر أنه كان لحمل مشكوات أو قناديل للنور. أما التربيعة التي فوق المحراب فقد غطيت بقبة ذات محارات أربع، عليها أثر إشكال تشبه الرنوك ([1]) قد تكون فقط زخرفية، وقد تكون رنوكا حقيقية، إلا أنها حطمت، ولم يبق ظاهرا إلا الطفيف من الأجزاء. وبين هذه الرنوك خيال لبعض الزخارف اللطيفة لم تعد تظهر بأكملها. أما العناية العظمى فقد وقعت في حائط القبلة والمحراب. أما حائط القبلة، فيحمل على كامله كتابه غليظة بخطوط ألواح الكتاب، تتخللها بعض الزخارف النباتية، جاء فيها، بعد البسملة. "أنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر .... سبحان الأول بلا ابتداء سبحان الآخر بـ... توكلت على الله". وجاء فوق المحراب نصف دائرة مزخرفة بزخرفة نباتية في الدوائر، وزخرفة مسطرة في الداخل، في وسطها تثمينة كتب عليها "لا إلله إلا الله محمد رسول الله". أما المحراب فقد اكتنفته أعمدة صورية بالجبس، قليلة البروز، رسمت عليها زخارف نباتية وتسطيرية على غاية من الأناقة. أما الغاربان اللذان فوق استدارة المحراب فعليهما زخارف تزهيرية لطيفة جدا. وهما يكتنفان، على رأس المحراب زخرفة في صورة نجمة ذات ثمانية فروع، قد نقش فيها بالبارز "الله". وأما المحراب نفسه، فقوسه يرتكز على استطوانتين سوداوين فوقهما تاجان قديمان وتحتل الإسطوانتين قطعتان مستطيلتان من الحجارة المزخرفة، قد أتي بجميعها من موقع أثري قديم. وتشتمل نصف القبة التي تعلو استدارة المحراب محارة ذات أضلاع متفرعة من الداخل إلى الخارج. وقد عني الأندلسيون خصيصا بهذه الناحية من الجامع فأولوها منتهى عنايتهم. - المنبر والختمة: إن المنبر قطعة فنية رائعة، لما احتوت عليه من زخرفة تأليفية "قلوب عشاق" وزخارف مدهونة نشكر أهل سليمان على صيانتها وبقائها سالمة منذ تأسيسها. أما الختمة فهي على بساطتها ما زالت تتمتع بالصحة. - الأبواب: تضيء ببيت الصلاة أربعة أبواب باب في الشرق على صحن الجنائز وثلاثة أبواب على صحن الجامع. تبدو هذه الأبواب مؤلفة بالآجر البارز قليلا. وللجامع من الخارج أربعة أبواب باب في الشمال على صحن الجنائز وباب في الشرق وباب في الشمال وباب في الغرب. كلها تفتح على الصحن. أما الصحن ففيه المحراب المجدد داخله على صورة محارة متفرعة من الداخل. أما واجهته فهي على الشكل الأندلسي التونسي الجميل يتألف القوس من أفراد ([2]) جاء بالتوالي لونها أبيض وأسود. وقد جاء فوقه أفقيا شريطان أحدهما عليه شريط زخرفي مكتوب "العزة لله"، متكررة، والشريط الثاني جاءت عليه هذه الكتابة. "محرابنا تاريخيه يوم الخميس خلق 1170" ([3]). - الصومعة: إن هذه الصومعة من اجل وأضخم ما جاء في العمارة الأندلسية بتونس وأكلفها. قسمت أجزاءها وأجزاء زخرفتها على خمسة أقسام، طول كل قسم منها هو عرض الصومعة ذاتها. زخرفتها – وهي في تنوع الحجارة واتساقها اتساقا – تعجب الناظر لأول وهلة. فالقسم الرابع الأعلى – القسم الذي فيه فتحة "السلامات" – قد زخرف القوسان بالأفراد البيضاء والسوداء، وأحيط الجميع بشريط من الزليج. وأما القسم الخامس الأعلى الذي به "الجامور" فقد كسيت كل واجهاته الأربع بثلاث تربيعات من الزليج. وأما "الجامور" فقد جاء في صورة هيكل مثمن قد قسم إلى منطقتين على كل ضلع من المثمن نافذة عليا ونافذة سفلى. وقد كسى الجامور في أعلاه بالقرمود الأخضر، ووضع فوقه رمانات نحاسية ثلاثة على العادة المعهودة. أما المدرج لهذه الصومعة من الداخل فهو لولبي الشكل بلا قلب في الوسط، على الهيئة المعروفة في جامع تستور، وهذه طريقة بنائية متقدمة للغاية قبل مجيء الأندلسيين. - سقف الجامع: سقف مبني، هو الذي رأيناه سابقا وسقف أعلى الخشب، مغشى بالقرمود. وهذه طريقة جاء بها الأندلسيون. ونجد بقاياها كثيرة جدا في الجامع والقصور، وهي طريقة تدفع المياه لميل السقوف العليا، بسرعة فلا يبقى مجال لتجمعها فوق السطح، ولا تترك مجالا للرطوبة أن تبقى، لا سيما وأن فضاء يعلو عدة أمتار يترك المجال للتهوية بين السقفين ويمنع سقف الجامع المبني أبدا من القطرة. - المزولة: وفي سطح الجامع مزولة، وكتاب لتعليم القرآن للصبيان. وأما المزولة فعليها كتابة فحواها: "الحمد لله حررت أوقاتها من عمل الحاج علي بن محمد دعي فقوسة، وضعها في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف (1132هـ)"". - الخلاصة: في الكلام عن المؤسسات الأندلسية بدأنا بهذا الجامع الطريف، وسوف نتولى الحديث عن غيره مما أسس الأندلسيون في البلاد التونسية. ولله التوفيق. (فصل من مجلة "الهداية" – تونس العدد 1 سنة 5 ستمبر 1977 ص 71-75 [1]- من مصطلحات البنائين [2]- مصطلح تونسي في البناء يدل على القطع الحجرية مختلفة الألوان التي يتألف منها القوس. [3]- هكذا جاء في النص الذي يوجد على المحراب وقد دهنت هذه الكتابة مؤخرا فلعل الذي دهنها شوهها. Page: BACK 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 NEXT |
|
copyright © 2005 - slimane mostafa zbiss - par hanene zbiss - réalisation graphique delfino maria rosso - powered by fullxml |